تشريح
وفيزيولوجيا
عظام الإنسان
في التراث الطبي
العربي
Human Bone Anatomy & Physiology in Arabic Medical Heritage
د. عبد
الناصر كعدان*
ملخص
البحث
يعتقد
بعض الباحثين
في مجال
التراث الطبي
العربي،
وخاصة
المستشرقين
منهم، بأنّ
العرب لم
يساهموا في
علم التشريح
والفزيولوجيا
لجسم
الإنسان،
وذلك لأنّ
الشريعة الإسلامية
كانت تحرّم
تشريح جثث
الموتى، وإنّ
معلوماتهم
التشريحية
والفيزيولوجية
مستقاة
فقط من
تعاليم
جالينوس ومن
تشريح الحيوانات.
لكن من يتعمق
في دراسة بعض
الكتب والمخطوطات
العربية
يلاحظ ومن
خلال وصفهم
التشريحي
والوظيفي
الدقيق لبعض
أعضاء جسم
الإنسان أنه
لا يمكن لهذا
الوصف أن
يتأتى من
ترجمة النصوص
اليونانية
فقط، بل لا بد
أنهم قد
مارسوا
التشريح أو فحصوا
الجثث
والهياكل
البشرية
بطريقة أو بأخرى.
بالإضافة
لذلك فإن لهم
الفضل في
إنقاذ الكثير
من المخطوطات
والكتب
اليونانية من
الضياع، وذلك
عن طريق
ترجمتها
للعربية،
والتي بدورها
ترجمت إلى
اللاتينية في
بدايات عصر النهضة
الأوربية.
هدف هذا
البحث هو
التعرض للوصف
التشريحي
والوظيفي
الدقيق لعظام
جسم الإنسان
كما ذكرت في
أهم كتب
التراث الطبي
العربي.
مقدمة:
إن من
يتعمق في
دراسة
المخطوطات
الطبية
العربية
يلاحظ أن
العرب قد
ساهموا في
تقدم المعارف
في التشريح
بطرق مختلفة.
فقد صنفوا ورتبوا
تآليف
جالينوس
بطريقة
منطقية واضحة
وجعلوا
تفهمها سهلاً.
فقد جمع ابن
سينا في كتابه
القانون في
الطب كل ما
كتبه جالينوس
عن التشريح في
تآليف عديدة
متفرقة
وجعلها قريبة
للإفهام. ثم
علّق ابن
النفيس في
كتابه "شرح
تشريح
القانون" على
مؤلف ابن سينا
وصحح أخطاءه
وأخطاء
جالينوس من
قبله في
التشريح وانتقدهما.
ويجب أن لا
ننسى أنّ
العرب قد
أنقذوا تآليف
جالينوس من
الضياع
بتعريبهم لها
لأنّ النسخ
اليونانية
القديمة
الأصلية قد
فقدت جميعها
ولم يبق سوى
النسخ
العربية.
ونضيف إلى ذلك
أنّ الأطباء
العرب لم
يتبعوا
تعاليم غيرهم
إتباعاً
أعمى، بل
فحصوها فحصاً
دقيقاً وأوضحوها
وأضافوا
إليها كما
يستدل من
تآليف ابن
النفيس
والبغدادي،
بل إن بعضهم
قد انتقدها[1].
لعلّه
من الثابت أنّ
الأطباء
العرب قد
توسعوا في
تشريح
الحيوانات
ودرسوا بعض
الأعضاء
كالقلب
والعينين
والكبد دراسة
دقيقة. وكان
ابن النفيس
ينصح بدرس
التشريح
المقارن لفهم
التشريح
البشري.
ويوحنا بن
ماسويه شرّح قرداً
كبيراً وكتب
عما رآه. كما
أنّ الزهراوي
ألحّ بدرس
التشريح لأنه
ضروري
للجراحة.
والرازي كان
أول من وصف
الفرع
الحنجري
للعصب
الحنجري العائد
وقال عنه إنّه
قد يكون
مزدوجاً من
الجهة اليمنى
أحياناً[2].
لقد وصف
ابن سينا
عضلات العين
وصفاً تشريحياً
دقيقاً حين
قال "وأما
العضل المحرك للمقلة
فهي عضل ست،
أربع منها في
جوانبها
الأربع فوق
وأسفل
والمأقيين. كل
واحد منها
يحرك العين
إلى جهته،
وعضلتان إلى
التوريب ما
هما يحركان
إلى
الاستدارة.
ووراء المقلة
عضلة تدغم
العصبة
المجوفة التي
يذكر شأنها
بعد تشبثها
بها وما معها
فيثقلها ويمنعها
الاسترخاء
المجحظ عند
التحديق. وهذه
العضلة قد عرض
لأغشيتها
الرباطية من
التشعب ما شكك
في أمرها. فهي
عند بعض
المشرحين
عضلة واحدة
وعند بعضهم
عضلتان وعند
بعضهم ثلاث.
وعلى كل حال
فرأسها رأس
واحد[3]".
وقال اسحق بن
حنين أنّ
العضلة
الثلاثية الحلقية
الموجودة في
مؤخر عين
الحيوانات لا
توجد عند
البشر. وهذا
يدل على دقة
الأطباء
العرب في
تشريح العين
وبعض الأعضاء
الأخرى عند
الحيوانات.
ويقول بورتال
إنّ أطباء
اليونان لم
يشيروا إلى
ذلك.
وكان
ابن النفيس
"في كتابه شرح
تشريح
القانون"
يوصي بدرس
التشريح
المقارن
ويشير في
مقدمته إلى
المصادر التي
أخذ عنها.
يقول في مقدمة
كتابه: "إنّ
قصدنا الآن
إيراد ما
تيسّر لنا من
المباحث على
كلام الشيخ
الرئيس أبي علي
بن عبد الله
بن سينا في
التشريح من
جملة كتاب
القانون وذلك
بأن جمعنا ما
قاله في
الكتاب الأول
من كتب
القانون إلى
ما قاله في
الكتاب الثالث
من هذه الكتب
وذلك ليكون
الكلام في
التشريح
جميعه
منظوماً. وقد
صدّنا عن مباشرة
التشريح وازع
الشريعة وما
في أخلاقنا من
الرحمة… فلذلك
رأينا أن
نعتمد في
تعرّف صور الأعضاء
الباطنة على
كلام من
تقدمنا من
المباشرين
لهذا الأمر
خاصة الفاضل
جالينوس إذ
كانت كتبه
أجود الكتب
التي وصلت
إلينا في هذا
الفن مع أنه
اطلع على كثير
من العضلات
التي لم يسبق
إلى مشاهدتها…
فلذلك جعلنا
أكثر
اعتمادنا في
تعرّف صور
الأعضاء
وأوضاعها
ونحو ذلك على قوله
إلاّ في أشياء
يسيرة ظنّاً
أنّها من أغاليط
النساخ أو أنّ
إخباره عنها
لم يكن من بعد تحقق
المشاهدة
فيها. وأما
منافع
الأعضاء فإنما
يعتمد في
تعريفها على
ما يقتضيه
النظر المحقق
والبحث
المستقيم ولا
علينا وافق
ذلك الرأي من
تقدمنا أو
خالفه. ثم
رأينا أن
نبتدي قبل
الكلام في
التشريح
بتحرير مقدمة
تعين على
إتقان العلم
بهذا الفن.
وهذه المقدمة
تشمل خمسة
مباحث…"[4].
ولعلّ
أفضل من درس
التشريح بل
وانتقد من
سبقه في هذا
الفن هو موفق
الدين عبد
اللطيف
البغدادي في
كتابه الذي
سمّاه "كتاب
الإفادة
والاعتبار في
الأمور
المشاهدة
والحوادث
المعاينة
بأرض مصر". وفي
هذا الكتاب
يصف البغدادي
زيارته إلى تل
حيث كان يوجد مقدار
كبير من
الهياكل
البشرية. وبعد
أن فحص المئات
منها كتب
يقول: "ومن
عجيب ما
شاهدنا أنّ
جماعة ممن
ينتابني في
الطب وصلوا
إلى كتاب التشريح
فكان يعسر
إفهامهم
وفهمهم لقصور
القول عن
العيان.
فأخبرنا أنّ
بالمغنس
تلاًّ عليه
رمم كثيرة
فخرجنا إليه
فرأينا تلاً
من رمم له
مسافة طويلة
يكاد يكون
ترابه أقل من
الموتى به.
تحدث ما يظهر
منهم للعيان
بعشرين ألفاً
فصاعداً، وهم
على طبقات من
قرب العهد
وبعده.
فشاهدنا من
شكل العظام
ومفاصلها
وكيفية إيصالها
وتناسبها
وأوضاعها ما
أخذنا علماً
لا نستفيده من
الكتب إما
أنها سكتت
عنها أو لا يفي
لفظها
بالدلالة
عليه أو يكون
ما شاهدناه
مخالفاً لما
قيل فيها،
والحس أقوى
دليلاً من السمع،
فإنّ جالينوس
وإن كان في
الدرجة العليا
من التحري
والتحفظ فيما
يباشره
ويحكيه فإنّ
الحس أصدق
منه. ثم بعد
ذلك يتخيّل
لقوله مخرجاً
إن أمكن فمن
ذلك عظم الفك
الأسفل فإنّ
الكل قد
أطبقوا على
أنه عظمان
بمفصل وثيق عند
الحنك وقولنا
الكل نعني به
هاهنا
جالينوس وحده
فإنه هو باشر
التشريح
بنفسه وجعله
دأبه ونصب
عينيه وصنف
فيه عدة كتب
معظمها موجود
لدينا
والباقي لم
يخرج إلى لسان
العرب. والذي
شاهدناه من
حال هذا العضو
أنّه عظم ليس
فيه مفصل ولا
درز أصلاً
واعتبرناه ما
شاء الله من المرات
في أشخاص
كثيرة تزيد عن
ألفي جمجمة بأصناف
من
الاعتبارات
فلم نجده إلاّ
عظماً واحداً
من كل وجه. ثم
إننا استعنا
بجماعة
مفترقة اعتبروه
بحضرتنا وفي
غيبتنا فلم
يزيدوا على ما
شاهدناه منه
وحكيناه.
وكذلك في
أشياء أخرى غير
هذه ولئن
مكنتنا
المقادير
بالمساعدة وضعنا
مقالة في ذلك
نحكي بها ما
شاهدناه وما
علمناه من كتب
جالينوس. ثم
إني اعتبرت
العظم أيضاً
بمدافن بوصير
القديمة
المقدم ذكرها
فوجدته على ما
حكيت ليس فيه
مفصل ولا درز.
ومن شأن الدروز
الخفية
والمفاصل
الوثيقة إذا
تقادم عليها
الزمان أن
تظهر وتتفرق،
وهذا الفك الأسفل
لا يوجد في
جميع أحواله
إلاّ قطعة
واحدة"[5].
إننا لو
توسعنا
ودققنا في
مخطوطات الطب
العربي
لعثرنا على
الأرجح على
اكتشافات أخرى
لهم في
التشريح
ومنافع
الأعضاء. ولا
ننسى أن
الأطباء
العرب ما
كانوا يجرؤون
على التصريح
بأنهم قاموا
بعمليات
التشريح لأنّ
الشريعة
الإسلامية
كغيرها من
الشرائع
الأخرى قبلها كانت
تحرم التشريح.
وبالرغم من
ذلك فإنّ ابن
رشد الطبيب
الأندلسي
والفيلسوف
العربي يقول: "إن
معرفة
الأعضاء
بالتسليخ
تقرّب من
الله". ونرى في
كثير من
الأحيان
جملاً في
الكتابات العربية
الطبية كهذه:
"إنّ التشريح
يكذب ما ذكر"
أو "إنّ
التشريح
يبرهن كذا
وكذا" مما يدل على
أنهم قد
شرّحوا بعض
الجثث ولكن لم
يتمكنوا على
الأغلب من
المجاهرة به.
بعد هذه
المقدمة
الوجيزة التي
توحي بأنّ بعض
الأطباء
العرب قد
شرّحوا بعض
الحيوانات أو
أعضاءها أو قد
عاينوا بعض
الجثث البشرية
والتعرّف
عليها ننتقل
للتعرّف على
تشريح العظام
ووظيفته وذلك
حسب
المعلومات
التي كانت
سائدة خلال تلك
الفترة عن
تشريح جسم
الإنسان.
تشــــريح
وفيزيولوجيا
العظــــام:[6]
تعتبر
العظام أساس
البدن
ودعائمه، وبها
قوامه
واستقلاله
وثباته. وهي
مختلفة الأشكال
والأوضاع،
فمنها الطويل
والقصير
والغليظ
والدقيق
والعريض
والضيّق
العرض
والثخين
والرقيق
والصغير
والكبير والمصمت
والمجوف
والسخيف
والكثيف. وهي
متصلة بعضها
ببعض اتصالات
عجيبة، فهي
للاتصال كعظم
واحد
وللانفصال
عظام كثيرة،
فيتهيأ بذلك للإنسان
ضروب الحركات
الكلية
والجزئية.
وجملة ما في البدن
منها مئتان
وثمانية
وأربعون
عظماً[7].
أما
عظام الرأس،
فعظما
اليافوخ، وعظم
الجبهة، وعظم
مؤخرة الرأس
والعظمان
الحجريان
اللذان في
جانبي الرأس
يمنة ويسرة،
وأربعة عظام
الزوج، على كل
صدغ اثنان،
والعظم الوتدي
الذي هو قاعدة
عظام القحف،
وستة عظام للعينين
في كل عين
ثلاثة، وعظما
الوجنتين،
وعظما الأنف، وعظما
قاعدة الأنف،
وعظمان
موضوعان فوق
منابت
الأسنان،
وعظما الفك
السفلي.
والأسنان
اثنا وثلاثون
سناً، ستة عشر
في كل فك،
ثنيتان
ورباعيتان
ونابان وعشرة
أضراس في كل
جانب خمسة.
فجملة عظام
الرأس تسعة وخمسون
عظماً، سوى
العظم
المعروف
باللامي عند
الحنجرة فإنه
بالغضاريف
أشبه.
وأما
عظام الصلب مع
العنق
فثلاثون [8]عظماً
تسمى الفقرات
وهي خرز منضدة
بعضها إلى بعض
بزوائد ونقر
فتلتئم بذلك
مفاصلها
وتصير كعظم
واحد. فيها
ثقب نافذة في
جميعها يجري
فيها النخاع،
وثقب عن
جوانبها يمنة
ويسرة تدخل
فيها أوردة
وشرايين
وتخرج منها
أعصاب،
والسفلى منها
أعظم والعليا
أصغر، سبعة منها
للعنق، واثنا
عشر للصدر،
وخمسة للقطن،
وثلاثة للعجز
وثلاثة
للعصعص.
فأما
الأضلاع فهي
أربعة وعشرون
ضلعاً، أربعة
عشر منها يسمى
أضلاع الصدر
في كل جانب،
منها سبعة
مقفولة بعضها
إلى بعض مع
سبعة عظام أخر
متصلة بعضها
ببعض بغضاريف
من قدام تسمى
عظام القص،
وسبعة فقرات
من فقار الظهر
ويطيف بها من
فوق عظما الترقوتين
وتحتها عشرة
أضلاع أخر في
كل جانب خمسة تتصل
بفقار الظهر،
وأطرافها
الأخر مطلقة
عليها غضاريف
لينة تتصل
بالمراق.
وأما عظام
اليدين
فتتألف من
عظمي الكتفين
وعظمي العضدين
وأربعة عظام
الساعدين
وستة عشرة
عظماً
للرسغين في كل
يد ثمانية،
وثمانية عظام
المشطين في كل
جانب أربعة
غير العظم
المتصل بالإبهام،
وثمانية
وعشرون عظماً
في الأصابع
تسمى
السلاميات في
كل يد أربعة
عشر سلامية
(وتعد ثلاثون
إذا كان المشط
أربعة بإضافة
عظم الإبهام
الذي يعد في
المشط إليها).
وأما
عظم العانة
فهو مؤلف من
عظمين وكل عظم
منها مؤلف من
أربعة عظام
يسمى الوحشي
من هذه
الأربعة عظم
الخاصرة،
والقدامي عظم
العانة،
والخلفي عظم
الورك،
والسفلي عظم
حق الفخذ،
كذلك من
الجانبين.
وأما
عظام الرجلين
فتتكون من
عظمي الفخذين،
وأربعة عظام
الساقين،
وعظمان مدوران
موضوعان على
المفصلين
اللذين فيما
بين الفخذين،
وعظام
الساقين
يسميان
الرضفتين
وهما عينا
الركبة،
وعظما
الكعبين
اللذين فيما
القصبتين،
وثمانية عظام
الرسغين واحد
منهما وهو
الوحشي يسمى
النردي
وثلاثة عظام
في كل رسغ
وعشرة عظام
المشطين، ثم
عظما
القصبين،
والعظمين الزورقيين
اللذين بهما
تقعير أخمص
القدمين، ثم أصابع
الرجلين
ثمانية
وعشرون عظماً
في كل إصبع
ثلاث
سلاميات، سوى
الإبهام،
فإنهما من عظمين
كما كان في
الكفين بهذه
هي جملة عظام
البدن.
أما
الغضاريف فهي
أجسام صلبة
أقل من صلابة
العظم تقبل
الانعطاف،
خلقت على
أطراف العظام
ليحسن
بجوارها
الأعضاء
اللينة، فلا يتأذى
اللين بالصلب
وخصوصاً عند
ضربة أو ضغطة،
كما في أطراف
أضلاع الخلف
وعظم الكتف،
وكالغضروف
الخنجري
الموضوع تحت
القص، وأيضاً
لتكون عمداً
ودعائم
لاستناد بعض
الأعضاء
إليها مستعيناً
بها على فعله
كغضاريف
الأجفان
بعضلها وكما
في الحنجرة.
وأما
الرباطات فهي
أجسام بيض
صلبة عصبانية
المرأى. تنشأ
من أطراف
العظام،
ومنها ما يمتد
نحو العضل
المحرك للعضو
فيعينه على تحريكه،
ومنها ما يصل
بين طرفي عظمي
المفصل أو بين
أعضاء أخر،
ويحكم شد
بعضها إلى
بعض. وهذه
الرباطات لا
حسّ لها
لأنّها تنشأ من
العظام
والعظام لا
حسّ لها، وذلك
لئلا يتأذّى
بكثرة الحركة
والحك في
المفاصل.
تشريح
عظام القحف:
القحف
مخلوق عدة
عظام هي أجزاء
كالبيت لما
يحويه من
الدماغ مشكل
بالشكل
الموافق لما
احتيج إليه،
جعل مستدير
الشكل إلى
الاستطالة
لأنّ الشكل
المستدير
أبعد الأشكال
عن قبول
الآفات، خاصة
عند
المصادمات، وخلق
ذا أجزاء حتى
إذا حدث بجزء
حادثة لم
تعمّ، وجعلت
العظام
مختلفة
الجواهر لأجل
الحاجة إلى
ذلك.
أما
مقدم الدماغ
فأرق عظماً من
مؤخره لأنه
بإزاء حاسة
البصر فتحرسه
ومجانساً لما
يحويه من لطيف
المخ الذي هو
البطن الأول من
بطون الدماغ
الذي ينشأ منه
أعصاب الحس
اللينة، وخلق
عظام سقفه
خفيفاً لأنه
محمول على جدرانه،
وليكون لخفته
وسخافة جوهره
طريقاً لما
يتصاعد إليه
من الأبخرة،
ومؤخره صلباً
لغيبته عن
حاسة البصر
ومجانساً لما
يحويه من كثيف
المخ الذي هو
البطن المؤخر
من بطون
الدماغ الذي
هو منشأ
لأعصاب
الحركة،
ومتدرجاً إلى
صلابة النخاع.
وفي
القحف ثقوب
كثيرة تخرج
منها أعصاب
وتدخلها
أوردة
وشريانات،
وجعل بين هذه
القطع دروز
على شبه ما
يركب
الصفّارون أقطاع
النحاس
وأجزاؤها
كأسنان
المنشار يدخل بعضها
في بعض وينفذ
فيها أجزاء
الغشاء الباطن
متعلقة
بأجزاء
الغشاء
الظاهر يرتفع
به عن جوهر
الدماغ.
وللقحف
دروز خمسة،
واحد في مقدمه
ويسمى
الإكليلي،
وواحد في
مؤخره يسمى
اللامي، ودرز
يصل بينهما
ويسمى السهمي
ماراً وسط
أعلى الرأس من
مؤخره إلى
مقدمه. وهناك
درزين جانبيين
واحد يمنة
والآخرة يسرة
يسميان الكاذبين
والقشريين
لأنهما لا
يغوصان في
العظام تمام
الغوص، وقد
يتصلا
بالدرزين
الآخرين. وهذه
الدروز
المحيطة
بالجدران
تتصل حتى تصير
كبيت لما
يحويه قاعدته
العظم المسمى
الوتدي وهو
صلب خلق كذلك
للإعانة على
ما يحمل ولئلا
تعفنه
الرطوبات
السائلة على
الدوام. ويحده
من الأمام عظم
الجبهة ومن
الخلف القفا
ومن الجانبين
العظمان
الطويلان
اللذان
يسميان
المحجرين
لصلابتهما،
وهما اللذان
فيهما خروق
الأذنين،
وخلق على جانب
كل واحد من
هذين العظمين
مما يلي
الصدغين
منهما عظمان
صلبان صغيران
يستران عصبة
هناك ويسميان
عظام الزوج،
وفي مؤخره الثقب
العظيم الذي
يخرج منه
النخاع.
ويذكر
المشرحون
العرب أن
أشكال الرأس
أربعة، واحد
على هذا الشكل
وهو الطبيعي
المستدير إلى
الاستطالة
وفيه لطأ من
الجانبين، يوجد
فيه هذه الدروز
المذكورة،
وثلاثة أشكال
خارجة عن الطبع،
وهو أن يفقد
هذا الشكل
الدرز
الإكليلي فيعدم
النتوء
المقدم، أو
الدرز اللامي
فيعدم النتوء
المتأخر. أو
يفقدهما
فيكون
مستديراً، وتكون
دروزه
متقاطعة في
الوسط ولا
يحتمل أن يكون
الطول أنقص من
العرض من أجل
أنّ أوضاع بطون
الدماغ فيه
طولاً فيفقد
منها بطناً
ولا يعيش معه
الإنسان.
تشريح
عظام الوجه:
أما
عظام الوجه
بعد الجبهة
فعظام اللحى
الأعلى[9]وهو
مركب من عدة
عظام مختلفة
الأشكال
والأوضاع وهي
أربعة عشر
عظماً تحدد
وتعرف بذكر
دروزها. ويحد
عظم اللحى من
فوق الدرز
المار عرض الوجه
تحت الحاجب من
الصدغ إلى
الصدغ
مشتركاً بين اللحى
الأعلى وعظم
الجبهة ومن
تحت منابت
الأسنان، ومن
الجانبين
درزان من كل
جانب درز يمر
من الأذن إلى
ناحية
الأسنان
مشتركاً بينه
وبين العظم
الوتدي، وأما
دروزه
الداخلة في
حدوده فدرز
يبتدئ من وسط
الدرز الفاصل
بين اللحى
والجبهة ويمر
آخذاً نحو
سكرجة العين،
فإذا توسطها
مما يلي أعلاه
انقسم ثلاثة
أقسام، قسم آخذ
إلى طرف
الحاجب يغرز
عظماً هو
أعلاها وأكبرها،
والثاني يغرز
عظماً يليه في
العظم، وهو
أيضاً فوق
نقرة العين،
والثالث يمر
في نقرة العين،
فيكون تحت كل
عين ثلاثة
عظام، ودرز يبتدئ
من الحد
المشترك بين
اللحى ودرز
الجبهة فيما
بين الحاجبين
ويمر حتى
ينتهي قريباً
من منابت
الأسنان،
ودرزان آخران
عن جانبيه يأخذان
من ضيق إلى
سعة حتى يفرز
عظمين مثلثين
هما قاعدتا
الأنف،
وفيهما ثقبا
الأنف الذي
يفضي كل واحد
منهما إلى فوق
إلى القحف عند
انتهاء
المشاش وإلى
تحت نحو
الحنك، وعلى
هذين الدرزين
يتركب عظما
الأنف، ثم إنّ
الدرز يمتد
إلى ما بين
الثنيتين،
والدرزان
اللذان عن
جانبيه
يأخذان إلى
الالتقاء حتى
ينتهيا إليه
فيحدث عظمان
آخران مثلثان
ينتهي
طرفاهما إلى
الأسنان فيما
بين الثنايا
والرباعيات،
ويتحدد عن جانبي
هذين الدرزين
عظما
الوجنتين،
وهما عظمان
صلبان فيهما
تقعير من داخل
الوجه وتقبيب في
الظاهر.
أما
اللحى الأسفل
فهو مركب من
عظمين كبيرين[10]
يتلقيان بدرز
موثق عند
الحنك وبهما
زائدتان معروفتان
يتعلقان
كالكلابين في
زائدة من اللحى
الأعلى في
الموضع
المتصل بالوتدي
تحت عظام
الزوج يتصل
بكل واحد
منهما وترة من
عضل المضغ
للإطباق.
والحكمة
بالغة ما خص
اللحى الأسفل
بالحركة في
المضغ
والكلام،
وصان الخالق
الفك الأعلى
عن الحركة
لشرفه ولكثرة
ما فيه من
قطاع العظام
المتجاورة
وعليها أعضاء
شريفة كالعين
والأنف.
أما
الأسنان فهي
مركبة من
اللحى الأعلى
واللحى
الأسفل وهي
الثنايا
والرباعيات
والأنياب
والأضراس،
وهي على
الأكثر اثنان
وثلاثون
سناً، ستة عشر
في كل جانب
ثنيتان
ورباعيتان
ونابان وخمسة
أضراس في كل
جانب خلقت
مصمتة صلبة
قوية، وفي
تراكيبها من
الحكمة
البالغة ما
يتبيّن أنها بقصد
حكيم عالم
وذلك أنها
منضدة تر
ى
ملتصقة أو
متوازية
الأوضاع،
وإذا أراد الإنسان
أن يقطع
بثناياه
شيئاً وقعت
الثنايا على
الثنايا
وقوعاً
محكماً، ولم
تقع الأسنان على
الأسنان
والأضراس على
الأضراس كذلك
وقوعاً
محكماً وكذلك
عند القطع
والكسر تقع
الأنياب ولا
تقع البواقي
وقوعاً
محكماً، وعند
المضغ والطحن
تقع الأضراس
بعضها على بعض
ولا تقع
البواقي.
ولكل سن
زائدة عظمية
مستديرة تحيط
به وتربطه في
مركزه ولكل سن
رأس يرتكز به
في الفك تكون
زائدته واصلة.
وكذلك
الأضراس
فالسفلى منها
لها زائدتان
ترتكز بهما،
وربما كانت
للنواجذ
ثلاثة، أما
التي في الفك
الأعلى فلكل
ضرس ثلاثة،
وربما كان
للنواجذ
أربعة. وليس
لشيء من
العظام حسّ
إلاّ للأسنان
فإنه يقول إنما
يحس بذلك جوهر
العصب المتصل
بأصول الأسنان
وكذلك ألمها
الحادث فيها
إنما يحس به
العصب.
تشريح
الفقرات:
إنّ عدد
خرز العنق والظهر
ثلاثون خرزة،
سبعة للعنق،
وعشر للصدر،
وخمسة للقطن،
وثلاثة
للعجز،
وثلاثة للعصعص.
وخلقت كذلك
أجزاء لئلا
يكون الظهر
قطعة واحدة لا
يتهيأ فيها
حركة
الانعطاف
والانثناء،
ولم يجعل أكثر
من ذلك لئلا
يكون الظهر
سلساً واهياً.
وجعل لكل خرزة
منها زوائد
شاخصة تتهندم
في نقر
تلتقمها من
الخرزة
الأخرى تلتئم
فيما بينهما
مفاصل معتدلة
في السلاسة
والوثاقة لما
أريد من
حركاتها.
ولكل
فقرة إحدى عشر
زائدة ما عدا
الأولى من
العنقيات
وفيها ما هو
أنقص سنسنة
ويسمى الشوكة،
وجناحان[11]
وأربع زوائد
منفصلة شاخصة
إلى فوق،
وأربعة شاخصة
إلى أسفل أو
دون ذلك، وكل
جناح ذو
شعبتين، إلاّ أنّ
زوائد
المفاصل
الشاخصة التي
فيها نقر الالتقام
تكون إلى جهة
فوق من
العاشرة
الصدريات،
وما دونها إلى
آخر الظهر
تكون الزوائد
الداخلة في
النقر من
الخرز هي
العالية
وتاخذ سناسنها
في التحديب
إلى حيث
الخرزة
العاشرة من الصدريات
وهذه الخرزة
كل زوائدها
الشاخصة الفوقانية
والتحتانية
إنما فيها نقر
الالتقام
بحيث إذا كان
للظهر حركة
الانحناء
والانعطاف
إلى قدام كانت
هذه الخرزة في
وسط النقرتين
أو قريباً منه
وسنسنتها
قائمة مقببة.
والخرز جميعه
إذا اعتبرته
من تحت وجدت
خرزه أكبر والثقب
الذي يجري فيه
النخاع أضيق،
وإذا اعتبرته
من فوق وجدت
خرزه أصغر
وثقب النخاع
فيها أوسع. إلاّ
أنّ خرز العنق
سلسلها حركة
المفاصل لكونها
رافعة للرأس
مقلّة له،
والحاجة إلى
كثرة حركات
الرأس لأجل أن
يطلع حاسة
البصر إلى المرئيات
وإصغاء الأذن
إلى
المسموعات
ماسة. وبين
الرأس وخرز
العنق مفصل
عجيب
التركيبة[12].
أما
حركة انقلاب
الرأس يمنة
ويسرة فبمفصل
سلس فيما بين
الخرزة
الأولى من خرز
العنق وبين
عظم الرأس
وذلك أنّ لها
زائدين
شاخصتين
فيهما نقرتان
تهندم فيهما
زائدتان من
عظم الرأس
موثقتين بأن
يستدير حافة
النقر عليها ويلزمها
لزوماً
محكماً،
وبارتفاع
إحداهما
وانخفاض
الأخرى يكون
ميل الرأس
يمنة ويسرة،
وهذه الخرزة
صغيرة لا
سناسن لها ولا
أجنحة، وهي
كالمدفونة في
وقاية
الثانية وعظم
الرأس مع ما
يحيط بها
ويلتف عليها
من الأعصاب
والعضل.
وأما
حركة الرأس
إلى قدام وخلف
فتتم بمفصل
بين الخرزة
الثانية وعظم
الرأس وذلك
بزائدة تنبت من
الخرزة
الثانية تسمى
السن، تمر
نافذة في باطن
الخرزة
الأولى من
داخل فيما بين
النخاع وبين
جرم الخرزة
إلى عظم الرأس
وتتهندم في
نقرة فيه بها
يكون انقلاب
الرأس إلى
قدام وخلف فيكون
بهذين
المفصلين
حركات الرأس
يمنة ويسرة
وقداماً
وخلفاً وعلى
الاستدارة،
وهذا الثقب
النافذ فيه
السن والنخاع
من جهة داخل
وخارج أطول
منه من جهة
يمنة ويسرة
لأنه ينفذ فيه
النخاع عبر
هذا السن، وقد
حجب بينه بين
النخاعات برباطات
قوية لئلا
يخدشه ويتأذى
بها عند الحركة.
يوجد في
جميع هذه
الخرز ثقب
يمنة ويسرة[13]
تخرج منها
الأعصاب التي
تعطي الأعضاء
ضروب الحس
والحركة
وتدخل فيها
عروق تغذي
النخاع، وهذه
الثقوب يختلف
وضعها في
الفقرات، ففي
الفقرة
الأولى من
العنقيات
ففيها
الثقبان مما يلي
أعلاها، وأما
الثانية ففي
أعلاها مما
يلي جانبي
سنسنتها
ويشاركها
فيهما ثم لا
يزال هذا
الثقب يكثر
نصيب الخرز
العالية منه
ويقل نصيب
السافلة حتى
يصير الثقبان
بتمامهما في
الخرزة
العاشرة من
الصدريات،
وهي التي يتصل
بها الحجاب
وذلك أنه كلما
عظمت الخرزة
كثر نصيبها من
مقدار الثقبة
إلى أن ينهي
العظم إلى العاشرة
فيحتمل أن
يكون الثقب
بتمامه فيها.
وكذلك فقرات
القطن يكون
الثقبان في كل
خرزة في كل
جانب ثقب.
ووظيفة
عظم أجنحة
السبعة
العاليات من
الصدريات
وكذلك
سناسنها
كالوقاية
لأشرف الأعضاء،
وهو القلب،
ولذلك عظمت في
أنفسها لاتصال
الأضلاع بها
وانعقالها
لها عليها.
أما
خرزة القطن
فهي عظيمة
عريضة وثيقة
ومنافذ
الأعصاب في كل
واحدة منها
بتمامها.
أما
خرزات العجز
فهي أحسن
تهندماً، واتصال
المفاصل أكثر
من سائر
الخرزة،
ومخارج الأعصاب
منها خروجاً
مختلفاً إلى
خلف وقدام لئلا
يضغطها مفاصل
الورك.
أما
العصعص فهو
مركب من ثلاث
خرز غضروفية.
والثقب يكون
بينهما مشتركاً
لصغرها
كالعنق، إلاّ
الأخيرة فالعصب
يخرج منها
فرداً عن
طرفها.
تشريح
الأضلاع
والقص
والترقوة:
يبلغ
عدد الأضلاع
أربع وعشرون
ضلعاً، منها
المقفلة
أربعة عشرة،
وعشرة مطلقة
الرؤوس
وشكلها معروف
وهي تتصل مما
يلي الظهر بخرز
الظهر بمفاصل
مضاعفة، وذلك
أنّ في طرف كل
ضلع زائدتين
تغوصان في
نقرتين من أجنحة
الخرز ثم يمر
الضلع
منحدراً ثم
يعود راجعاً
إلى عظام القص
فيصل به
اتصالاً
بالخرز. وهو كالصندوق
الخفيف يحتوي
على القلب
والرئة. وخلق
أجزاء بينها
فرج تملؤها
العضل فتكون
فيه فائدة
التكثير
المذكور،
ويكون قابلاً
للامتلاء من
الأهوية
والأبخرة.
والوسطانيات
من الأضلاع
أطول.
وأما
العشرة
المطلقة
الرؤوس وتسمى
أضلاع الزور
فهي أصغر
وأقصر ليكون
للبطن امتداد
عند امتلائه
من الأطعمة
والأشربة
ولتكون -أي
أضلاع الخلف-
وقاية
للأحشاء من
جهة غيبة الحواس
عنها. توجد
على أطرافها
غضاريف لينة
ليسهل
انعطافها
ولئلا يتأذى
الصفاق والجلد
بها عند
المصادفات.
أما عظم
القص فمؤلف من
سبعة عظام[14]
متصلة بمفاصل
موثقة، إلاّ
أنها عظام هشة
وبعض أعضائها
غضاريف لينة
ليقبل
الانبساط
والانقباض
الخفي. وعلى
طرف القص
غضروف عريض
مستدير الرأس
يسمى الخنجري
ساتر لفم
المعدة.
أما
عظما الترقوة
فهما عظمان
يبتدئ كل واحد
منهما من أعلى
القص من عند
النحر، ويخلى
هناك فرجة
تدخل الأعصاب
فيها
الأوتار، وتخرج
منها العروق
والشريانات،
ويمر محدباً
حتى ينتهي
طرفه الآخر
إلى طرف الكتف
فينضبط به عظم
الكتف وبهما
جميعاً العضد.
وهذه الترقوة
لا تكون في
حيوان غير
الإنسان.
تشريح
الكتف وعظام
اليد:
أما
الكتف فهو
العظم
المعروف الذي
يسمى الدفة،
وطرفه الذي
يلي رأس العضد
مجتمع مدور،
فيه نقرة يدخل
فيها رأس
العضد وتضبطه
زائدة مع عظم
الترقوة يسمى
الأخرم
ومنقار الغراب،
وهي التي تمنع
العضد من الانخلاع
من حركة اليد
إلى فوق وخلف،
وزائدة من تحت
وإلى خلف تمنع
انخلاع اليد
إلى تحت وخلف.
وهذا العظم
الذي هو الكتف
يستعرض في
الطرف الآخر
وينبسط فيكون
كالوقاية
لطرف الصدر من
جهة خلف،
وليكون للعضد
معلقاً
مبرءاً من
عظام الصدر
يتهيأ له به
سلس الحركات
إلى الجهات وليكون
عوناً على ما
يتأبطه
الإنسان
ويضبطه خاصة،
وعظم العضد
يعين بتقعيره
على ذلك.
وللكتف زائدة
في وسطه وهي
التي تسمى عير
الكتف خلقت
للوثاقة،
ويجرى له مجرى
السنسنة
للفقرة. وعلى
طرفه العريض
غضروف لين
للمنعنة
المعلومة للغضاريف.
أما عظم
العضد فهو عظم
مدور فيه
تحديب من
الجانب
الوحشي
وتقعير من
الجانب الأنسي،
ومفصله مع
الكتف رخو
سلس، ولذلك
كثيراً ما
يعرض له
الخلع، لكنه
أحكم برباطات
أربع تدور
عليه وتضبطه
وتحكم شده،
وإنما جعل
سلساً لأنّ
أكثر حركات
اليد لا ينتهي
في نفسها إلى
كثرة حركة هذا
المفصل إلاّ
بالعنف بل لا
تزال اليد
تتحرك، وهذا
المفصل
كالساكن أو
المتحرك
القليل
الحركة،
والطرف الآخر
من العضد تنبت
عليه
زائدتان،
إحداهما وهي
الباطنة مدورة
ملساء لا مفصل
فيها بل هي
وقاية لأعصاب
وعروق هناك،
وأما الأخرى
فهي التي
يلتام فيما بينها
وبين الساعد
مفصل المرفق.
وأما
الساعد فهو
مركب من عظمين
أحدهما أعظم
وهو الزند الأسفل[15]،
والآخر أصغر
وهو الزند
الأعلى[16]،
وطرفاهما
أغلظ وأصلب
للحاجة إلى ما
ينبت منهما من
الربط.
ووسطهما أدق
ليكونا أخف
وليكون للعضل
والعصب
والوتر مكان،
وذلك أنّ
طرفيهما
يجتمعان
وينبت منهما
زائدتان،
واحدة من طرف
الزند الأعلى
وفيها نقرة
تدخلها لقمة
من طرف العضد
الوحشي،
وبدوران هذه
اللقمة في هذه
النقرة يكون
انبطاح
الساعد
والتواؤه[17].
والأخرى وهي
في طرف الزند
الأسفل
كزائدتين بينهما
حزّ شبيه
باللام،
ويلتئم فيما
بينه وبين
حرفي الزائدة
التي في طرف
العضد الوحشي
وهي كالحز
الشبيه
بالبكرة، وفي
طرف هذا الحز
نقرتان:
إحداهما ملساء
مما يلي أنسي
اليد،
والأخرى مما
يلي وحشي
اليد، فإذا
تحرك الحز على
الحز إلى جهة
فوق وقدام
أقبل الساعد
على العضد حتى
تماسه، وإذا
تحرك إلى تحت
وخلف حتى
ينتهي إلى هذه
الزائدة
المسماة
بالعتبة وقفت
اليد منبسطة.
وطرفا
الزندين مما
يلي الرسغ
يجتمعان كعظم
واحد وينتقر
فيهما نقرة
مشتركة، إلاّ
أنّ أكثرها في
الزند الأسفل
حيث يدخل فيها
لقمة من اجتماع
ثلاثة عظام من
عظام الرسغ
يكون بها مفصل
الرسغ الذي
يتحرك الكف
بها منبسطاً
ومنقبضاً.
والرسغ
مركب من
ثمانية عظام
من هذه الثلاثة
المذكورة
التي تجتمع
رؤوسها كعظم
واحد، ويصل
بها مفصل
الرسغ وهي تلي
الساعد لأنّ
بها مفصله
وأربعة عظام
أخر تلي
الأصابع،
وعظم واحد
مفرد للرسغ لا
في صف الثلاثة
ولا في الأربعة
بل يستر عصبة
تأتي الكف،
وللزند
الأسفل تحت النقرة
المذكورة
يتهندم بها
مفصل فيما بينه
وبين عظام
الرسغ يكون
بها انبطاح
الكف والتواؤها.
وفي أطراف
عظام الرسغ
الأربعة التي
تلي مشط الكف
نقر يدخل فيها
زوائد من عظام
المشط يلتام
فيما بينهما
مفاصلها.
وعظام
المشط أربعة
بعد الأصابع
المحاذية
بها، وهذه
عظام فيها
تقعير. وجميع
عظام الكف
يتصل اتصالاً
لو كشط عنها
اللحم لعسر
على الحس
تمييز آحادها
بل كأنها عظم
واحد متفنن
الكل إلى
الاجتماع والتقعير
ليعين على
ضبطه ما يضبطه
وجمع ما يجمعه
مما يسيل. وهي
مربوطة محكم
الارتباط
للوثاقة التي
يحتاج إليها
في البطش.
أما
الأصابع
فعظامها
السلاميات،
وهي في كل يد
أربعة عشر
سلامية. لكل
إصبع ثلاثة
صلبة مدمجة محكمة
عديمة المخ أو
قليلته متصلة
بمفاصل موثقة
قد حشيت
مفاصلها
للوثاقة
بعظميات صغار
تملأ خلل ما
بين مفاصلها
تسمى
سمسمائية. وفي
عظامها تحديب
في الظاهر
ويسير تقعير
في الباطن. وملئت
لحماً وهندمت
مفاصلها حتى
لا يكون فيما
بينها خلل
إلاّ عند
الحاجة إلى
ذلك. وجعلت سلامية
الإبهام تتصل
بالزند
الأعلى ليكون
فيما بين
الأصابع
والإبهام
فرجة واسعة
يتمكن بها من
الإقبال على
الأصابع
الأربع
والتباعد عنها،
وفعله
كالمقابل
لأفعال
الأصابع الأربع،
وهو كالضمام
لما يحويه
الكف. وجعل
باطن الكف لحيماً
ليتوطأ العمل
بالقبض،
وظاهرها معرقاً
ليخف في
الحركات. ومن
أحسن ما فيها
اختلاف طول
الأصابع،
وطول مفاصلها
تتفاوت عند
الانتصاب في
الطول،
وتتساوى عند
القبض ليحصل
بذلك التقعير
المحتاج إليه
الآخذ إلى
الاستدارة،
وأدغمت أطراف
الأصابع
بالأظافر
العراض لئلا
يكون أطرافها
واهية.
ويستعين بها
على القبض
بالأشياء
الصغيرة
والتقاط ما
لعله يدخل في
الجلد من
الشوك، ويعين
على حك الجلد،
وهي كالسلاح في
غير الإنسان.
تشريح
عظم العجز
والعانة
وعظام
الرجلين:
هذان
عظمان كبيران
كل واحد منهما
ذو أربعة
أجزاء، جزء من
قدام وعند
العانة وهناك
يكون مفصلها
الموثق، وجزء
وهو عظم الخاصرة،
وجزء وهو
الحرقفة وهي
السكرجة[18]
التي يدخل
فيها رأس
الفخذ، وجزء
من تحت وخلف وهو
الورك، وهذان
العظمان
شريفان وهما
كالحاملين
لما فوقهما
ناقلين لما
تحتهما،
وعليهما
أعضاء شريفة
كالرحم
والمثانة
والمستقيم.
أما عظام
الرجل فهي إذا
فصلت الفخذين
والساقين والرسغ
والقدم.
وشكلها عجيب
مع مفاصلها
المحتاج
إليها في
اتحاد حركة
الرجل من لدن
عظم الورك
وتفننها في
الانعطاف
والاستقلال.
وعظم
الفخذ عظم
كبير مستدير
محدب إلى وحشي
البدن مقعر
إلى أنسيه
بحيث يقع بسبب
ذلك بين
الفخذين فرجة
عظيمة تملأها
العضل
الكبيرة
المحركة،
ويأخذ رأسه
عند الركبة
الأنسي بحيث
إذا ضمها
الإنسان
شديداً لا
ينعصر. ولعظم
الفخذ زائدة
مستديرة تدخل
في نقرة في
عظم العجز وهي
المسماة
السكرجة،
وللطرف الآخر
الذي يلي
الساق زائدتان
تدخلان في
نقرتين من عظم
الساق موثقتان
بأربطة تلتف
عليهما وتحكم
شدهما. وعلى
هذا المفصل
العظم
المستدير
المسمى
الرضفة، وهو عين
الركبة وضع
كذلك ليعتمد
عليه في الجثو
وليمنع
المفصل من
الخروج عن
الحد المحتاج
إليه عند
انبساط
الرجل، ولأنّ
أكثر حركات
الرجل إلى جهة
قدام.
أما
الساقان فهما
مؤلفان من عظمين
أحدهما أكبر
وهو الأنسي،
والآخر أصغر وأدق
وهو الوحشي،
ويتصلان
ويتحدان كعظم
واحد فوق ما
يلي الركبة
وتحت، ويفصل
بينهما عظم الكعب،
والكبير هو
الساق
بالحقيقة
والصغير كالوقاية
له.
والكعب
هو موضوع بين
رأس القصبتين
من الساق وهو
كالأصل لعمل
مفصل القدم،
ويتصل به
ثلاثة عظام
وواحد مفرد
يسمى النردي
والعقب من
تحت، وبه ثبات
القدم عند
الانتصاب، والعظم
الزورقي وبه
تقعير القدم
وأربعة عظام هي
التي للرسغ
بها يتصل
المشط وخمسة
عظام المشط ثم
الأصابع.
والقدم
مستطيلة إلى
قدام ليقاوم
الإنسان
بكبها انتصاب
قامته، وأخمص
القدم إلى
الأنسي
ليعتمد
الإنسان على
الوحشي عند
نقل قدمه
المقابل.
والعقب
صلب للثبات
عليه، وخلق
مستديراً من
خلف لما في
الاستدارة من
الحكمة المعلومة،
وقعر الأخمص
ليتهيأ
للإنسان
الوطء على المواضع
النائية،
وكذلك ليعين
الأصابع حتى يكون
القدم
كالقابض على
الموضع
الموطوء
عليه، وقويت
القدم
باستدارة
العظم
الزورقي
وصلابته
ليعين القدم
على افتراش الرجل
وكالمساعد
للكعب في ذلك.
فبالمفصل
الذي بين
الكعب والعظم
الزورقي يكون
انبساط القدم
وانقباضه،
وبالمفصل
الذي بين
العقب والزورقي
يكون انقلاب
الرجل إلى أحد
الجانبين.
الخاتمة:
من
خلال هذا
الاستعراض
لما ذكرته أهم
المؤلفات
التراثية
العربية في
مجال تشريح
وفيزيولوجيا
العظام يمكن
للمرء أن
يتبين المدى
الذي استطاع
من خلاله
العلماء
العرب
استيعاب علوم
من سبقهم من
الأمم،
ونقلها إلى
اللسان العربي
ومن ثم
التمحيص في
تلك العلوم،
بل وحتى نقدها
، كما لاحظنا
في كلام
البغدادي، في
كثير من
الأحيان. وإن
تشريح
وفيزيولوجيا
العظام هو ليس
بدعا عن باقي
كل فروع
العلوم التي
تمثلها
العلماء
العرب ترجمة
ثم نقدا ثم
تطويرا.
-
الأمين العام
للجمعية
الدولية
لتاريخ الطب الإسلامي
(www.ishim
.net)،
ورئيس تحرير
مجلتها
بريد
إلكتروني: a.kaadan@scs-net.org
الحواشي
والتعليقات:
[1]
خير الله، د.
أمين أسعد،
الطب العربي،
1946م ، المطبعة
الأمريكانية،
بيروت. ص162.
[2]
الطب العربي
لأسعد خير
الله، ص169.
[3]
ابن سينا،
الحسين بن
علي. القانون
في الطب، دار
صادر، بيروت،
ثلاثة أجزاء.
ج1، ص40.
[4]
شرح تشريح
القانون لابن
النفيس،
تحقيق د. سلمان
قطاية.
[5]
منقولاً عن
بحث تقدم به
أستاذنا
الدكتور عبد الكريم
شحادة إلى الندوة
العالمية
الأولى
لتاريخ
العلوم عند العرب،
والبحث
بعنوان: أضواء
على الطبيب
العربي
والعالم
الموسوعي عبد
اللطيف
البغدادي.
[6]
اعتمدنا في
معرفة تشريح
العظام خلال
تلك الفترة
على ثلاثة
مراجع هي:
الحاوي -
القانون
في الطب - كتاب
المختارات في
الطب لابن هبل
البغدادي.
[7]
حالياً يعتبر
عدد عظام جسم
الإنسان
مائتان وثمانية
عظماً.
[8]
هي في الحقيقة
ثلاثة
وثلاثون فقرة
حيث أنهم كانوا
يعتبرون عظم
العجز ثلاثة
وهو في
الواقع خمسة
وعظم العصعص
ثلاثة وهو
أربعة.
[9]
يسمى حالياً
بالفك العلوي.
[10]
كان ذلك
معتقداً حتى
جاء عبد
اللطيف البغدادي
فانتقد ذلك
وبيّن أنّ
الفك السفلي
هو
عظم واحد وليس
عظمين، وذلك
كما أوردنا نص
ذلك فيما سبق.
[11]
هما النتوءان
المستعرضان Transverse
processes.
[12] من
الملاحظ دقة
وصف تشريح
الفقرات وهذه
الدقة لا
تتأتى من
ترجمة النصوص
اليونانية
فقط بل لا بد
من فحص الجثث
أو الهياكل
العظمية بدقة
للتمكن من هذا
الوصف الدقيق.
[13]
هي ما تسمى
حالياً
بالثقوب بين
الفقرات Intervertebral
foramens.
[14]
حالياً يعتبر
مؤلفاً من
ثلاثة عظام.
[15]
المقصود به
الزند Ulna.
[16]
المقصود به
الكعبرة Radius.
[17]
وهذا ما يعرف
اليوم بالكب Supination
والاستلقاء Pronation .
[18]
المقصود بها
الجوف الحقي Acetabulum.
المصادر
والمراجع:
-
ابن أبي
أصيبعة، أحمد
بن القاسم.
عيون الأنباء
في طبقات
الأطباء، دار
مكتبة
الحياة، بيروت.
-
ابن سينا،
الحسين بن
علي. القانون
في الطب، دار
صادر، بيروت،
ثلاثة أجزاء.
-
الأنطاكي،
داود بن عمر. تذكرة
أولي الألباب
والجامع
للعجب
العجاب، 1952م،
مطبعة مصطفى
البابي
الحلبي، مصر،
جزآن.
-
البابا،
د.محمد زهير.
تاريخ وتشريع
وآداب الصيدلة،
1986م، ط3، مطبعة
طربين، جامعة
دمشق.
-
البابا، د.
محمد زهير. من
مؤلفات ابن
سينا الطبية،
منشورات
جامعة حلب، 1984.
-
البغدادي،
علي بن أحمد.
المختارات في
الطب، 1362هـ، ط1، طبعة
جمعية دائرة
المعارف
العثمانية،
حير آباد، 4
أجزاء.
-
حسين، د.محمد
كامل. الطب
عند العرب
والمسلمين
تاريخ
ومساهمات، 1987،
ط1، الدار
السعودية للنشر
والتوزيع،
السعودية.
-
الخطابي،
محمد العربي.
الطب
والأطباء في
الأندلس
الإسلامية،
1988، ط1، دار
الغرب الإسلامي،
بيروت ، جزآن.
-
الرازي، أبو
بكر. الحاوي،
1962م، ط1، مطبعة
مجلس دائرة
المعارف
العثمانية
بحيدر آباد،
الدكن،
الهند،
ثلاثون جزءاً.
-
الزركلي، خير
الدين.
الأعلام، 1984،
ط6، دار العلم
للملايين،
بيروت،
ثمانية مجلدات.
-
شحادة، د.عبد
الكريم. ابن
سينا الطبيب،
نص محاضرة
قدمت إلى
مؤتمر أنقرة
عام 1985 في مركز
أتاتورك
الثقافي.
-
شحادة، د.عبد
الكريم. أضواء
على الطبيب
العربي
والعالم
الموسوعي عبد
اللطيف
البغدادي، من
أبحاث الندوة
العلمية
الأولى
لتاريخ العلوم
عند العرب
المنعقدة
بجامعة حلب في
نيسان 1976.
-
الشطي، د.أحمد
شوكت. تاريخ
الطب وآدابه
وأعلامه، 1982،
مديرية الكتب
والمطبوعات
بجامعة حلب.
-
عيسى، د.أحمد.
معجم
الأطباء، 1982م،
ط2، دار الرائد
العربي،
بيروت.
-
مرحبا، د.محمد
عبد الرحمن.
المرجع في
تاريخ العلوم
عند العرب، 1987،
دار العودة،
بيروت.
***